-1-
الجالسُ في المقهى
في الركنِ الأقصى
يبدو مشغولاً أبداً
بجريدتهِ اليوميّة
أستغربُ جدّاً
فعجيبٌ أنْ يقرأَ شخصٌ
جرائدنا هذي الرسميّة!
-2-
الجالسُ في الركنِ الأقصى
يقلقني
أشعرُ أني أعرفهُ
يبدو دوماً في أفقي إذْ ارفعُ رأسي
بمقاهينا الوطنيّة
يبدو أحياناً مُلتحياً
أحياناً يبدو مصلعّاً
والشاربُ مفتولٌ دوماً
غامقةٌ
نظارتهُ الطبيّة!
-3-
يبدو إذْ يجلسُ وحدهْ
مبتعداً، ملتحفاً ركنهْ
مشغولاً عنّا بالدنيا
بأسعارِ النفطِ
وأخبارِ الحربِ
وبالزاويةِ الفنيّة
لكني إذْ أنطقُ حرفاً
أُبصرُ في طرفِ الكرسي
وفي المصباحِ
وبينَ الزهْرِ
وفي أنفاسي
أُبصرُ أُذنهْ
تلقفُ حرفي من بينِ حبالي الصوتيّة
وإن أصمتُ خوفاً منْ أُذُنهْ
أحاولُ أنْ أكتبَ جملةْ
فقبلَ مسيلِ الحبرِ
وميلادِ الكلمة
تقرؤني العينُ السحريّة!
- 4-
الجالسُ في الركنِ الأقصى
يطلبُ فنجاناً من قهوة
ويذيبُ القهوةَ في السكّرْ
يرتشفُ الفنجانَ ببطئٍ
بصوتٍ مهموسٍ "لا يظهرْ"
ويبدأُ يكتبُ في الدفترْ:
- حضرَ فلانٌ
(وفلانٌ هذا يعنيني)
مشبوهُ الجوهرِ والمظهرْ
لَقيَ فلاناً
جالسهُ في الصمتِ طويلاً..
غادَرْ
يتركُ سطراً
ويكتبُ في حرصٍ أكثرْ:
مصاريفُ ألأمنِ لهذي الليلة
1- ابْتعتُ صحيفة.
(وصحيفتهُ
من عهدٍ سابقْ
لكنْ لا بأسَ
فأخبارُ الثورةِ لم تتغيّرْ)
2- شربتُ فناجيناً ستّة.
(لم يشربْ إلا فنجاناً..
هاكم تفصيلُ الخمسة:
الأوّلُ كي يشري خُبزَهْ
الثاني مصروفٌ يمنحهُ طفلهْ
الثالثُ عُذرهُ
لتأخّرهٍ يُعطيهِ لزوجهْ
أمّا الرابعُ
فلسيّدهِ
في الخسّةِ مثلهْ
والخامسُ كأسٌ من خمرٍ بخسة
يشربها كي ينسى ذلّهْ)
تُحسبُ تكلفةُ الأمنِ
ويُقفلُ مَحضَرْ
-5-
يا ذاكَ الجالسُ في الركنِ الأقصى
انهضْ
انهضْ
انهضْ
إنْ تنهضْ
- صدقني -
إن تنهضْ
لن ينقضَّ كيانُ الدولةِ أو يتعثّرْ
انهضْ
وتعالَ إليَّ
جالسني في صمتي برهة
لن أطمحَ أن تكتبَ أنّي
وطنيٌّ
ومطيعٌ جدّاً
أو أنّي مسكينٌ
لا أفقهُ شيّاً
لا أطلبُ هذا
اكتبْ ما شئتَ ولكنْ
اجلسْ قربي
اطعنّي في صدري مرّة!
افعلها منْ أجلِكَ أنتَ
فعروشُ الدولةِ هاويةٌ
وحرامٌ
أنْ تُسحقَ أبكَرْ!
قُلْ
ما تشاءُ
لمن تشاءُ
كما تشاءُ
متى تشاءْ!