صورة..
حدثني أحد الأصدقاء عن شيخ مُسن كان يسكن قرية ريفية نائية منعزلة عن الدنيا ، وكان يؤمُّ الناس في جامع القرية الوحيد ، وحينما بدأت الحرب على العراق ، لم يكن في القرية من وسائل الاتصال ما يمكِّنه من مشاهدة الأوضاع في أرض الرافدين ، فكان يقطع كل يوم مسافة طويلة إلى قرية أخرى ليشاهد الأخبار لدى أقاربه هناك ، ثم يعود لقريته ويصلي بالناس في الجامع ثم يخبرهم عما شاهده من أخبار بغداد والدمع يبلل لحيته الطاهرة ..
ذات ليلة ، ذهب الشيخ لأقاربه ليشاهد الأخبار كعادته ، وفي تلك الليلة .. سقطت بغداد !!
أتدرون ما حَلّ بالشيخ ؟
لقد مات .. مات كمداً وقهراً .. ليلة ماتت بغداد .. رحمه الله ..
***
صورة أخرى..
في الليلة التي سقطت فيها بغداد ، كانت مدرجات الأستاد الرياضي في الرياض .. تموج بآلاف الشباب المسلمين ، الذين حضروا للاستمتاع بمباراة كرة قدم!!
سيكتب التأريخ !!
في
جرحِ بغـدادَ
أبْحِرْ
أيها الألمُ
واسْكُبْ
كنهْرِ الفُرَاتِ
الشِّعْرَ
يا قلمُ!
**
تجتاحُني
كــلّ يـومٍ
ألفُ داهيةٍ
فأحْتَويْها
وما تـَخـتلّ لي قـَدَمُ!
**
وتغرسُ الآهُ
في الأعماقِ
خنْجَرها
فأدْفنُ الجُرحَ في صَدري
وأبتـسِمُ!
**
لكنَّ أركانَ صَدْري
كلّها انهَدَمَتْ
لـمّا رَأتْ
ذلك البُـنـيانَ
يَـنهدمُ!
**
بغدادُ
يا فـتنةَ الدنيـا
وبسمتَها
يا لـَوْحةً
بـِيَـدِ الرّحمنِ
تَرتسمُ!
**
يا روضةً
مِنْ جِنان الخُلدِ أنَزَلها
كي يَعْرفَ الناسُ
ما الأنهارُ
والنِّعَمُ !
**
هـذي النجومُ
إذا غَـنيْتِ أغنيةً
وجدْتُها
عِنــدَ بابِ الليلِ
تزدحمُ !
**
هذي المآذنُ
لولا الشوق ما وقفَتْ
ترنُو إليك
وفـيها الحُبُّ يَضطرمُ!
**
هذي
قصورُ بني العباس
ما هَرِمَتْ
هل يُعْرَفُ الشَّيْبُ
في بغدادَ
والهَرَمُ!
**
بغدادُ
في كلِّ حَرفٍ باسْمِك التَحَفَتْ
بحورُ ذِكرى
وبـدءٌ
لـيسَ يُخْتتمُ!
**
في كلّ شِبرٍ
روى التأريخُ ملحمةً
من الجُدودِ
وأبـدَتْ زَهْوها القِممُ!
**
واليومَ
في كلّ شبـْرٍ
طفلةٌ لبِسَتْ
أسْمـالَ بُؤسٍ
وفي أهدَابها
ألـَمُ !
**
كم بغلةٍ عَثَرتْ !
كم حرةٍ صَرَخَتْ !
وليس في الأرض
فَاروقٌ
ومُعْتَصِمُ!
**
يا ويحنا
لم نكفـْكِفْ بـَعْدُ أدْمُعنا
من فـَقـْدِ أندلسٍ
لم تَـْبرأ الكُلمُ!
**
والآنَ أنْدلـُسٌ أخرى
تصيحُ بنا
فلـْتَنبَثِـقْ حِـمَمٌ
ولتـَشتعِلْ هِمَمُ !
**
فإنّ مَنْ رَبـّهُ الجَـبَّـار
مُنْتصرٌ
وإنّ مـَنْ ربـه الطاغُوْت
مُنْهزمُ !
**
هيهاتَ
يَنْتصِرُ الإظلامُ
حين يَرَى
صُفوفَنا
في صلاةِ الفجْرِ تَنْتَظِمُ!
.
.
.
.
.
.
.
.
ستشرِقُ الشمْس
يا بغدادُ
فانتظري
صُبحاً
تُـبَلِّجُه
"الأنفالُ"
و"القلمُ"!